تاريخ النشر: يناير 5, 2025 | آخر تحديث: يناير 14, 2025
ناقشنا في مقال سابق عن التعليم المنزلي أهم الفوائد والأساب للتعليم المنزلي والدراسة المنزلية بشكل عام. تلك المقالة كانت الجزء الأول فقط وفي هذه المقالة نكمل بالجزء الثاني.
تنويه عام للمقالة:
- قبل البدء أود التوكيد والتركيز على أن هذه المقالة موجهة لجمهور يهتم بأطفاله وبمستقبلهم ويعتبرهم أمانة لديه يجب الحرص عليها وبذل الغالي والرخيص لأجلهم. أما من لا يهمه أطفاله, ولا نموهم, ويعتقد أنه يجب أن يرتاح من الهموم والمنغصات, ويريد الإستمتاع بالحياة والإسترخاء على الشاطئ, فقد لا تكون هذه المقالة مفيدة له.
- أمر إضافي, أنا أكتب من خلال تجربتي في الحياة وكيف أرى الواقع ويمكنكم الرد علي والإختلاف معي.
عند مناقشة الدراسة المنزلية بشكل جاد, فلا بد من إجابة أهم الأسئلة والإنتقادات عنها وهو ما سنحاول فعله اليوم من خلال مواجهة أهم الإنتقادات للدراسة المنزلية و حلول مشاكل الدراسة المنزلية. سيكون هذا المقال منظماً على النحو التالي:
- توضيح الإنتقاد بشكل مختصر
- شرح الوضع الحالي او المنتشر (المقارن به)
- إيضاح إختلاف وأفضلية التعليم المنزلي (المقارن)
إنتقادات التفاعل الاجتماعي في التعليم المنزلي وحلولها:
قد يقول قائل بأن الدراسة المنزلية ليست أسلوب مثالي او حتى مستدام فهي تنتج أطفال إنطوائيين او لديهم قدرات إجتماعية ضعيفة. بالطبع, هذا كلام خاطئ مبني على فهم مجحف للتدريس المنزلي.
الوضع المدرسي الإجتماعي ومشاكله:
- المدرسة لا تهدف بشكل أساسي لتطوير المهارات الإجتماعية للطفل, ولكنها تتيح بيئة يتواجد فيها العديد من الأطفال.
- النظام التعليمي المدرسي مبني على أن هناك عدة حصص درسية يجلس فيها الطالب ويشاهد الدرس وليس هدفها أن يتحدث الطلاب مع بعضهم. هناك إستراحة قصيرة يمكن للأطفال اللعب فيها والتحدث ولكنها ليست كافية ولا كفيلة بتحقيق هذا الهدف.
- المدرسة ترمي بالطلاب الى الساحة او الصف ولا تساعدهم على صنع صداقات وهناك الكثير من حالات الوحدة والإنعزال بين الأطفال. لزيادة الطين بلة, قد تسبب له إنعدام وضعف ثقة بالنفس بسبب التنمر الجسدي واللفظي
- قد لا يجد الطفل في المدرسة من يشاركه أفكاره أو خلفيته الثقافية. هنا تكون المدرسة ليست فقط عديمة الفائدة, بل مضرة ومسيئة للطفل ونموه بشكل مباشر.
حلول مسألة التفاعل الإجتماعي في التعليم المنزلي:
- يمكن للأطفال المشاركة مع مجموعة من الأطفال الآخرين الذين يتبعون نظام التدريس المنزلي. أي أنهم لا يذهبو الى المدرسة ولكنهم يذهبون الى مكان تعليمي بديل سواء بشكل جزئي او كلي.
- يمكن المشاركة في دورات وكورسات لمادة معينة وبهذه الطريقة تتسنى للطفل المشاركة بنشاطات تعليمية إجتماعية. مثلاً, قد يمضي الطفل وقت دراسته المنزلية في المنزل دون الذهاب خارجاً ولكن يتم تعويضه من خلال الدورات الخارجية والخاصة. هذه المؤسسات بدورها توفر بيئة رديفة أكثر إستقلالاً من المدرسة.
- يمكن إختيار نشاطات مخصصة لتطوير القدرات الإجتماعية مثل دورات للخطابة او المشاركة في نوادي رياضية او المشاركة في مسابقات وغيرهم. هذا من أهم ميزات التعليم المنزلي. بما أن الطفل لا يضيع 6-8 ساعات (او أكثر) يومياً في المدرسة وأمورها, سيتسنى له الوقت للقيام بالكثير من النشاطات بشكل فعال وجاد ومستدام.
- يمكن إستغلال بيئة إجتماعية جيدة لإستخدام التعزيز الإجتماعي بشكل يحفز او يثبط افعال معينة. مثلاً, إتباع أسلوب المكافأة والعقاب بنائاً على معايير أخلاقية وتربوية وليس اعتباطية.
- هناك فرص إجتماعية كثيرة في العائلة القريبة (مثل الأخوة) والعائلة الكبيرة (أقرباء وأولاد عم وخال وهكذا) وأبناء الحي والجيران. اي أن الطفل لن يكون معزولاً او وحيداً بل هو محاط بدائرة إجتماعية دائماً ولكنها مصفاة ومختارة بعناية أكبر حيث يمكن للأهل أن يقربوا الطفل ويحيطوه بأشخاص جيدين بدلاً من الإختيار العشوائي.
إنتقادات قلة الموارد والخبرة:
قد لا تتوفر لجميع الأسر الموارد 💰 أو الخبرة اللازمة 🤵 لتوفير تعليم شامل في جميع المجالات. سنناقش هنا الموارد المالية والتعليمية وثم الخبرات المطلوبة.
مشاكل الموارد في البيئة المدرسية:
- كثير من المدارس تفتقر لأبسط الموارد وبيئة تحتية. مثلاً قد تكون المدرسة باردة او لا تحوي مختبرات علمية.
- كثير من المدرسين ليسوا أشخاص جيدين وفيهم الكثير من المشاكل النفسية والإساءة والضرب ولن أسمح لهم بالإقتراب من أطفالي أصلاً لو على جثتي فما بالك بتعليهم.
- كثير من المدرسين (إن كانوا أشخاصاً جيدين في التعامل والأخلاق وهو نادر) غير أكفاء للتعليم او التدريس وهم ببساطة يحتاجون لمن يعلمهم هم أنفسهم فليس هناك فائدة من تعليهم لأطفالي بجميع الأحوال وهي مضيعة وقت للجميع. لقب أستاذ لا يعني لي شيئاً فلست أنا من أعطاهم هذا اللقب في المقام الأول.
- المدارس لا تحوي مواد تعليمية كافية من حيث الكمية. مثلاً, لو أراد الطفل تعلم اللغة الروسية او اليابانية فهذا غير متواجد. لو أراد تعلم البرمجة فليس هناك حاسوب جيد ولا مدرس جيد لهذا. ماذا عن الرسم والموسيقى والجغرافيا؟ الأدوات التعليمية على النت كثيرة وفي المدارس شحيحة.
- المدارس لا تحوي مواد تعليمية جيدة. الكتب مملة وأسلوبها ركيك أحياناً وغريب أحياناً أخرى. نحن الآن في 2025 ولا أعرف طفلاً قادراً على فهم كتبه المدرسية لوحده وبالتأكيد لا أحد منهم يجد متعة بقراءة او تصفح الكتاب.
وفرة الموارد في التعليم المنزلي:
ماذا عن الأهل والدراسة المنزلية؟ هل يمكنهم توفير هذه الموارد التي لم تستطع مدارس ودول بأكملها توفيها؟ هذا عائق معتبر وحقيقي ولكن هناك طرق لمواجهة هذه المشكلة
- التدريس المنزلي لم يبدأ البارحة وهناك العديد من المناهج والمصادر التعليمية التي تساعد الأهل والأطفال على إتباع أسلوب التعليم المدرسي.
- هناك كتب كثيرة ومصادر تعليمية مختلفة مكتوبة من قبل كتاب ذوي كفائات عالية ونادرة وهم أقدر وأجدر وأولى بالتعليم من معظم المدرسين في الساحة.
- التعليم المنزلي لا يعني أن الأهل يحتاجون لبناء مدرسة إضافية في المنزل. يمكن إستغلال المدارس او المنشأت المحلية في الدولة والقيام بزيارات محدودة لمختبرات مثل الكيمياء والفيزياء وغيرها. هذا بالطبع أمر لا أرجحه في كثير من البلدان العربية لأن المدارس أصلاً خاوية على عروشها ولكن في حال توافر هذه المصادر, فيمكن إستغلالها دون الحاجة لإستبدالها ودفع تكاليف باهظة.
- جزء كبير من الموارد المطلوبة متوفر بشكل رقمي وموازي وبعضه أيضاً مجاني 100%.
- مثلاً, هناك مختبرات رقمية لجميع التجارب الأساسية ويمكن تعلم الكثير منها والقيام بها من خلال الكمبيوتر فقط.
- هناك تخيل غير منطقي أحياناً بكمية الموارد المطلوبة. مثلاً, الطفل ليس لديه مختبر كيمياء في المدرسة والأهل راضون بهذا الحال ولكنهم إن قرروا التدريس المنزلي فسيحتاجونه وهو أولوية؟ هذه إزدواجية معايير.
- هناك أيضاً الكثير من المدونات وقنوات اليوتيوب العربية والأجنبية لأسر طبقت نظام التعليم المنزلي بنجاح.
- هذه فرصة لتطوير الأهل من ذاتهم وتعلم طرق أفضل لتربية الأطفال. كما قلت سابقاً, التعليم المنزلي فرصة للأهل أيضاً لتطوير أنفسهم وسيتعلمون الكثير عن المصادر من خلال الممارسة وعبر الزمن.
- عند إنتشار التعليم المنزلي أكثر, سيصبح الأمر أكثر سهولة شيئاً فشيئاً وكلما زاد عدد المشاركين, أصبح الأمر أفضل وأكثر فاعلية.
هذه مقالة مفصلة من مدونة أم يوسف للتعليم المنزلي وفيها تشارك قائمة من العديد من المصادر والمدونات الأخرى المختصة بالتعليم المنزلي
الخوف من ضعف الإعتراف الرسمي:
في بعض البلدان، قد تواجه الدراسة المنزلية صعوبات في الاعتراف الرسمي من قبل المؤسسات التعليمية العليا أو أرباب العمل. هذه مشكلة ولكنها أيضاً ليست جديدة فهناك إمتحانات مخصصة لقياس مستوى الطلاب وفي كثير من الدول حول العالم والدول العربية, هناك إمتحانات مثل إمتحان الإعدادية والثانوية وفيها يمكن للطالب أن يتقدم دون أن يكون مسجلاً بمدرسة. عند نجاحه سيحصل على شهادة مثله مثل اي طالب آخر في بلده.
مثلاً في بعض الدول مثل سوريا وغيرهم, هناك إمتحان إعدادية او ثانوية حرة. وفيه يدرس الطالب المنهاج المقرر لوحده ويقوم بإمتحان الثانوية مع باقي الطلاب في الدولة ويحصل على مجموع وشهادة ثانوية مثل أي طالب آخر.
- في الإمارات, هناك مسار مخصص للدراسة المنزلية ( الرابط الرسمي من الحكومة الإماراتية)
- أيضاً في الأردن, النظام أيضاً موجود تحت مسمى الدراسات غير النظامية (الدراسات المنزلية) ( الرابط للموقع الأردني)
- حتى في مصر, هناك ثانوية منازل ويبدوا أنه نظام مشابه للأنظمة السابقة
وأظن أن الأمر متواجد في باقي الدول العربيةبعض الخيارات المشابهة هي دخول بكلوريا دولية او حتى القيام بدخول إمتحان الثانوية في بلد آخر يتيح هذا الخيار. او الدخول للمدرسة بشكل تقليدي في آخر سنة من الثانوية او في المرحلة الثانوية فقط. هذه الحلول تعتمد على قدرة الأهل وأحوالهم ومدى جاهزيتهم وقوانين وأحكام البلد الذي يعيشون فيه.
الخوف من زيادة العبء على الوالدين
أمر آخر يبدر لأذهان الكثيرين هو خشية أن التعليم المنزلي سيكون مرهقًا ومكلفًا للوالدين.
أعباء الأهل في النظام المدرسي:
- كثير من الأهل يقومون بتدريس أبنائهم للإمتحانات او توفير أساتذة خصوصي لأجل الإمتحانات
- هناك الكثير من المشاكل التي تحصل مع الأبناء في المدرسة سواء مع الطلاب او المعلمين او غيرهم وتسبب قلق ومشاكل للأهل.
- قد يقوم الأهل بتوصيل الأبناء يومياً او إستئجار وسائل توصيل للمدرسة وهذا يتسهلك اما المال او الوقت او الجهد او جميعهم
فاعلية التعليم المنزلي:
- هدف الدراسة المنزلية جعل الطفل قادر على الإعتماد على نفسه وتنمية رغبته للتعلم وحده دون الإعتماد على أهله. أي أنه في حال تطبيق هذا النظام, فالأهل مجرد مستشارين وليسوا مسؤولين عن التعليم بإستمرار.
- تقسيم المسؤوليات التعليمية بين الوالدين أو أفراد الأسرة يخفف الضغط كثيراً.
- استخدام الموارد التعليمية المجانية المتاحة عبر الإنترنت هو أمر يوفر الجهد بشكل كبير. مثلاً, هناك قنوات تعليمية على يوتيوب إضافة لكتب جيدة تجعل الدراسة الذاتية أمراً سهلاً وممكناً.
- التعاون مع أسر أخرى لتبادل الموارد والخبرات. بمعنى أخر, يمكن مثلاً الإشتراك بين 5 أسر مثلاً حيث يقوم أحد الأهل يوماً واحداً في الأسبوع لتدريس الأطفال (5-10 أطفال مثلاً). وهذا يجعل الأمر ممكناً وأكثر سهولة وإمكانية
- هناك توفير مال ووقت وجهد عند إستبدال المدرسة لكثير من الأسر وهذا يتيح إمكانية إستثمار هذا الوقت او المال بطريقة أخرى أكثر فاعلية
الخوف أن التعليم المنزلي يسبب غسيل الدماغ للطفل
هذا الإنتقاد أيضاً مشكلة محتملة وحقيقية. يمكن أن يكون للأهل نظرة خاطئة عن الأمور او الحياة او ربما هم ليسوا أهل ومربين جيدين وهذا يجعل الطفل تحت سلطتهم دائماً ويسبب تفاقم المشاكل أكثر من الذهاب للمدرسة.
تأثر الطفل بالبيئة التقليدية:
- الطفل معرض بجميع الأحوال لتأثير أسرته وذهابه للمدرسة او عدمه ليس له تأثير كبير على هذا الجانب. مثلاً لو كان الأهل يستخدمون العنف المنزلي, فذهاب الطفل للمدرسة لن يوقف هذا العنف ولكنه يتيح فرص أقل له لا أكثر.
- في كثير من الحالات, إسائات الأهل لا تقترب من درجة سوء المدرسة
- الطفل يتأثر ببيئة مدرسية سيئة وفيها الإساءة والشتائم والفساد الخلقي بأشكاله وأنواعه. أنا شخصياً كانت المدرسة لي أسوء بيئة في طفولتي ولا شيء في المنزل يقترب من سوءها.
- الطفل يتم غسيل دماغه أصلاً من قبل المدرسة: يتم تعليم الطفل الكثير من الترهات والخزعبلات والأهل لا يحركون ساكناً في معظم الحالات ولا يعترضون او حتى يطلعوا على المنهاج المدرسي.
- المدرسة أيضاً ليس لها سلطة حقيقية وتربوية على الأطفال وتكون في كثير من الأحيان بؤرة فساد وإنحراف أخلاقي
إختلاف التعليم المنزلي:
- إن كان الأهل لهم مفهوم خاطئ (وهذا ممكن طبعاً), فمن الممكن لهم تصحيح جزء من هذه المفاهيم عند أخذ تعليم أبنائهم على عاتقهم. ولكن, ليس هناك سلطة او قدرة على تغيير وجهة نظر المعلم.
- أيضاً, الطفل الذي يتلقى التعليم المنزلي, ليس معزولاً عن المجتمع. فهو يذهب للمسجد ويلعب مع أطفال آخرين ويتعامل مع الكبير والصغير في المجتمع وسيكون قادراً على مواجهة اي من المفاهيم الخاطئة التي تعرض لها
- البشرية لم تملك مدارس معظم تاريخها وعاش الناس حياة كريمة وفيها خلق وفضل خصوصاً خلال التاريخ الإسلامي, ويمكننا تطبيق هذا مجدداً دون البيئة المدرسية الفاسدة
الخلاصة:
التعليم المنزلي هو أسلوب تعليم بديل عن التعليم التقليدي. كحال أي تغيير او سعي نحو التطوير, هناك تحديات حقيقية ومتعددة لهذا التغيير وفي هذا المقال ناقشنا وفصلنا ورددنا على أكبر الإنتقادات الشائعة وأهمها. يمكنكم إضافة اي إنتقادات أخرى لديكم وسنضيفها للمقال وننقاشها. سنستمر بهذه السلسلة بالجزء الثالث وفيه نناقش نماذج وخطط ناجحة لتطبيق للتعليم المنزلي. ناقشنا كثير من هذه الأفكار في الجزئين هذين ولكن سنوسع ونضيف ونسهب أكثر في جزء مخصص لهذا الموضوع بالغ الأهمية.
مصادر ووصلات خارجية:
هذه مصادر ومراجع ومواقع ومدونات أخرى عربية تناقش نفس موضوع هذه المقالة:
- ليس حلا سحريا كما تعتقد.. إليك الأوجه المظلمة للتعليم المنزلي | الجزيرة نت (aljazeera.net)
- التعليم من المنزل – بديل تعليمي (samitivejhospitals.com)
- مقالات – رحلة تعليمنا المنزلي (ourhsjourney.com)
- بديل جيد: التعليم المنزلي في مصر بين الواقع والفرص – المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية (ecss.com.eg)
- مقدمة إلى التعليم المنزلي ولماذا يجب عليك أن تعلم أولادك في البيت – رجل (rajol.net)
- تعليم منزلي – على الفطرة (3alalfitra.blog)
- مسار الدراسة المنزلية | البوابة الرسمية لحكومة الإمارات العربية المتحدة (u.ae)
- الرئيسية – أكاديمية التعليم البديل (badil.ma)
- لماذا اخترت التعليم المنزلي لأطفالي ؟ – إسلام أون لاين (islamonline.net)
- برنامج الدارسين غير النظاميين (الدراسات المنزلية) | وزارة التربية والتعليم (moe.gov.jo)
- تعليم منزلي | أميرة سعد (amirasaad.com)