كثير منا يود تعلم لغة جديدة وتتعدد الأسباب والأهداف. لا يخفى عليكم أن تعلم لغة جديدة هو أمر مليئ بالتحديات ويحتاج جهداً ووقتاً. من خلال تجربتي الشخصية كلما أردت أن تعلم لغة جديدة, كنت أسأل نفسي هذا السؤال دائماً: كم احتاج من الوقت لتعلم لغة جديدة؟ في الحقيقية, هذا سؤال غامض وتختلف الإجابة كثيراً من لغة لأخرى ومن شخص لآخر. لذلك, ولأجل إجابة هذا السؤال, علينا أن نستخدم بعض المعايير التي ستتيح لنا توقع المدة الزمنية بشكل تقريبي.
أهمية اللغة الجديدة بالنسبة لك ومدى حاجتك لها
قد تبداً تعلم اللغة ولكن هل ستسمر بعد الأسبوع الأول؟ بعد الشهر الأول؟ مقدار أهمية تعلم اللغة الجديدة هو ما سيحدد إن كنت ستستمر بتعلم اللغة أم لا. لمعرفة مدى أهمية هذه اللغة, يمكننا طرح بعض الأسئلة:
- ما هو هدفك من تعلم هذه اللغة؟
- بماذا ستفيدك اللغة الجديدة وماذا ستضفي على حياتك؟
- هل أنت بحاجة هذه اللغة أم أنك تود تعلمها لمجرد رغبتك بذلك؟
- هل تحتاج هذه اللغة الآن ام لاحقاً؟
- هل هناك بديل سهل عن تعلم اللغة يمكنه أن يعطينا نفس النتائج؟
إن لم يكن الهدف مهماً كفاية, فقد ينتهي بك الأمر تقوم بأشياء أخرى بل وربما تقوم بكل شيء الا تعلم هذه اللغة. أي شيء يحتاج جهداً ووقتاً سيكون صعباً, ولكن ما يجعلنا نقوم به رغم ذلك هو الهدف من إتمام هذا الشيء. مثلاً, قد يكون هدفك من تعلم اللغة هو الهجرة الى دولة جديدة. هذا قد يكون سبباً كافياً لكي تستمر بالتعلم رغم الصعاب. او قد يكون هدفك الحصول على عمل جديد او الدراسة في بلد مختلف او غيرها. مقدار أهمية السبب مرتبط إرتباطاً كبيراً بمدى قدرتك على الإستمرار .كلما كان الأمر عاجلاً أكثر وكانت فائدتك لتعلم اللغة أكبر, كلما وجدت نفسك مستمعاً (او على الأقل مواظباً ) على تعلم هذه اللغة. في مثل هذه الأمور, ليس من السهل خداع نفسك. مثلاً, قد تقول أن تعلم هذه اللغة الجديدة سيساعدك على الحصول على وظيفة أفضل, ولكن إن لم يكن هناك فرص وظيفية أمامك فعلاً, قد تفقد الرغبة بالتعلم بعد بضعة أسابيع وتقول لنفسك أنه لا فائدة من هذا الأمر. أيضاً, لو كان هناك بديل سهل لتعلم اللغة, ستقول لنفسك لماذا أضيع وقتي وجهدي في هذا الأمر الصعب وهناك حل بديل سهل.
ولكن لو حصل صديق لك على وظيفية أفضل بعد تعلمه للغة جديدة وعلمت أنك أنت أيضاً يمكنك الحصول على مثل هذه الوظيفة إن تعلمت لغة جديدة, ستشعر أن النتائج مضمونة وأن الفوائد حقيقية وستجد نفسك تدرس ليلاً نهاراً دون كلل او ملل. في مثل هذه الحالة, لن تشعر أنك تتعلم لغة فقط, بل ستشعر أنك تقترب من تحسين حياتك للأفضل وكلما تعلمت أكثر, كلما أصبحت قريباً أكثر من الحصول على ما تريده. أيضاً, إن كان تعلم اللغة هو الطريقة الوحيدة لحصولك على هدف معين, سيكون قرار تعلم اللغة قرار بديهي وسيكون لديك دافع قوي جداً لإنهاء تعلم اللغة والحصول على هدفك.
مدى قرب وارتباط اللغة الجديدة بلغتك الأصلية
لربما سمعت من قبل عن عوائل اللغات او أسرة اللغات [1]. هناك لغات متقاربة من بعضها من حيث اللفظ او الأحرف او القواعد او التاريخ او الثقافة او غيرها, وهناك لغات مختلفة. كلما كانت اللغة التي تود تعلمها أقرب للغتك الأصلية (او بمعنى آخر من عائلة لغات مشابهة) كان تعلم اللغة الجديدة أسهل. مثلاً, لو كانت لغتك الأصلية إيطالية او فرنسية واللغة الجديدة التي تريد تعلمها إسبانية, فلن تجد صعوبة كبيرة لأن هناك الكثير من الأمور المتشابهة وهذه اللغات هم من نفس العائلة. ولكن, لو كانت لغتك الأصلية مثلاً فرنسية وتود تعلم اللغة الصينية او العربية او غيرهم, ستواجه صعوبة بالغة لأنه لا يوجد شيء متشابه تقريباً بين أي من هذه اللغات. بالطبع, هذا لا يعني أنك لن تستطيع تعلم هذه اللغات, إنما يعني أنك ستواجه صعوبة أكثر مما كنت قد تواجهه لو أردت تعلم لغة قريبة للغتك الأم. مثلاً, تعد اللغات الفارسية والعبرية والتركية من اللغات السهلة نسبياً للشخص لغته الأم هي العربية. تعد اللغة الصينية أسهل بالنسبة لشخص لغته الأصلية يابانية من شخص لغته الأصلية هي الإنكليزية او العربية وهكذا.
بالطبع, لا يتوقف الأمر فقط على لغتك الأصلية. في حال كنت تتقن لغتين او اكثر, سيكون عدد اللغات المشابهة لما تعرفه أكثر. مثلاً, لو كنت متقن للغة الإنكليزية إضافة للغة العربية, وأردت مثلا تعلم اللغة الألمانية او الفرنسية, سيكون هذا أسهل بكثير مقارنة بشخص لا يتقن الا العربية. ويمكنك في بعض الأحيان حتى أن تستفيد من كلا اللغتين عند تعلم لغة ثالثة. مثلاً, سيكون تعلم الإسبانية أسهل بكثير لأن اللغة الإسبانية مشابهة للإنكليزية ولها إرتباط تاريخي باللغة العربية.
خبرتك السابقة بتعلم اللغات
لو حاولت تعلم لغة ثانية من قبل, فهذا سيساعدك في تعلم لغة ثالثة حتى لو لم تكن الثالثة مرتبطة بأي من اللغات السابقة. مثلاً, لو كانت لغتك الأم هي العربية وتعلمت اللغة الإنكليزية, سيكون تعلم اللغة الصينية أسهل بالنسبة لك من شخص لا يتقن الا العربية او الإنكليزية. في هذه الحالة, اللغات الذين تعرفهم ليس لهم إرتباط باللغة الجديدة, ولكن يمكنك إستخدام نفس تقنيات التعلم التي إستخدمتها عند تعلم الإنجليزية مثل حفظ الكلمات او فهم القواعد.
أيضاً, عند تعلم لغة جديدة لأول مرة, قد تتفاجئ بأمور لم تكن تعلم أنها موجودة أصلاً في لغتك الأم. لنأخذ مثالاً بسيطاً مثل جملة ” السماءُ صافيةٌ”. هذه جملة كاملة وصحيحة باللغة العربية, ولكنها ناقصة او خاطئة لو نظرنا اليها بإستخدام اللغة الإنجليزية. في اللغة العربية, يمكننا إستخدام جملة إسمية (مبتدأ وخبر) او جملة فعلية. ولكن في اللغة الإنجليزية, يوجد فقط جملة فعلية وهكذا. لا يمكننا أن نقول مثلاً ” the clear sky” او “the sky clear” بل نقول The sky is clear. ويجب إضافة الفعل is وهكذا.
عند تعلم لغات إضافية, يمكنك التفكير بنفس الجملة بطرق مختلفة, وهذا يجعلك أكثر تقبلاً لأشكال جديدة للكلام. مثلاً, يمكننا أن نضع الفعل في بداية الجملة باللغة العربية فقد نقول ” أريد إغلاق الباب” ولكن في اللغة التركية يكون الفعل في نهاية الجملة, وحينها تصبح الجملة كأنها “الباب إغلاقه أريد” قد تبدو هذه الجملة غريبة بعض الشيء لشخص يتحدث العربية ولكنها ليست كذلك بالنسبة لشخص من لغة أخرى.
مدى إتقانك للغتك الأم
قد يكون هذا الأمر مفاجئاً للبعض فلماذا يكون إتقان اللغة الأم مهماً لتعلم لغة مختلفة. ولكن في الحقيقة, من الصعب فهم القواعد بلغة جديدة إن لم تكن متقناً للقواعد بلغتك الأصلية أساساً. مثلاً, كيف ستشرح قواعد أفعال لغة جديدة لشخص لا يعرف ما هو الفعل وما هو الإسم من الأساس. هذا الشخص يجب أن يتعلم أولاً ما هو الفعل, ثم يتعلم كيف يتم إستخدامه بلغته, ثم يتعلم كيف يتم إستخدامه باللغة الجديدة. ليس من الضروري أن يكون الشخص محاضراً جامعياً باللغة العربية بالطبع, ولكن يجب أن يعلم بعض الأساسيات. وكلما كان إتقانه للغته الأصلية أكبر, كان من السهل عليه أن يربط المعلومات الجديدة بمعلومات السابقة.
مقدار الوقت الذي تبذله في تعلم اللغة
عندما نسأل كم نحتاج من الوقت لإنهاء عمل ما, يجب أيضاً أن نسأل كم من الوقت سنبذل لإنهائه. لو قلنا أنه لدينا عمل يحتاج 3 ساعات لإنهائه ولكننا بذلنا ساعة واحدة فقط كل يوم, سيصبح هذا العمل يحتاج الى ثلاثة أيام. بالطبع, لن يحتاج الى ثلاثة أيام كاملة ولكنه لن ينتهي في يوم واحد أيضاً. لذلك, هناك بعض المؤسسات التعليمية التي تقدر الوقت اللازم لتعلم اللغة, بعدد ساعات معين. تقدر مؤسسة The Foreign Service Institute (FSI) (مؤسسة أميركية للمصالح الأجنبية) اللغات بدرجات للصعوبة بالنسبة للناطقين باللغة الإنجليزية كلغة أم.
مثلاً: اللغة الفرنسية وبعض اللغات الاوربية الشبيهة هم من الدرجة الأولى ويحتاجون قرابة 600 ساعة.
بينما تكون اللغة العربية واليابانية والصينية من الدرجة الرابعة وتحتاج اللغة الواحدة قرابة 2200 ساعة.
لنفترض أن لغتنا الأم هي الإنجليزية وأننا نود تعلم اللغة الفرنسية (والتي تعد من اللغات السهلة بالنسبة للناطقين بالإنجليزي). سنحتاج قرابة 600 ساعة. لو فرضنا أن سنقوم بالدراسة لمدة ساعتين يومياً بشكل مستمر, سنحتاج 300 يوم او ما يقارب 10 أشهر. بينما لو قمنا بالدراسة 4 ساعات يومياً سنحتاج نصف المدة او ما يقارب 5 أشهر وهكذا. بالطبع, 4 ساعات يومياً ليس بعدد قليل. لذلك وببساطة, إن أردنا تعلم اللغة بشكل أسرع, يجب علينا أن نستخدم اللغة لمدة أكثر.
جودة الساعة التعليمية الواحدة
مع ذلك, ليست جميع الساعات متساوية الأهمية, مثلاً 4 ساعات من مشاهدة مسلسل بالفرنسية ليست مثل 4 ساعات من دراسة القواعد او قراءة الكتب, وهكذا. بمعنى آخر, جودة الوقت المبذول يضاهي أهمية عدد الساعات. قد يقوم أحد الأشخاص بالدراسة ساعتين فقط يومياً ويتقدم أكثر من شخص يبذل 4 ساعات يومياً.
مدى إستخدامك للغة الجديدة في حياتك اليومية
كلما زاد إستخدامك للغة في حياتك اليومية, زادت فرص تعلمك لأشياء جديدة وممارستك للغة لمدة أطول. عندما تستخدم اللغة يومياً, ستتاح لك الفرصة للتمرن على المهارات اللغوية أكثر. يمكنك إرتكاب المزيد من الأخطاء والتعلم منهم, ويمكنك تجربة ما تتعلمه بسرعة وبشكل مستمر. إن كان بإمكانك السفر لبلد اللغة الأصلي ولو لمدة أسبوعين, فهذا سيعطيك فرصة كبيرة لتعلم أشياء جديدة. إن لم يكن بإمكانك ذلك كما هو حال أغلب الناس, يمكنك على الأقل أن تحاول أن تقوم بأشيائك اليومية باللغة الجديدة. مثلاً, حاول مشاهدة مسلسلات او أفلام باللغة التي تريد تعلمها بدلاً من مشاهدتها بلغة أخرى وغيرها الكثير من الأفكار والطرق المبدعة لجعل اللغة الجديدة جزء من حياتك اليومية.
أسئلة شائعة
في المتوسط, المدة اللازمة لتعلم لغة الى مستوى جيد هي ما بين 6 أشهر الى سنتين.
يختلف الأمر حسب عدة معايير ومنها سرعة تعلم الشخص واللغة نفسها ودرجة الإتقان المطلوبة.
1. أهمية اللغة الجديدة بالنسبة لك ومدى حاجتك لها
2. مدى قرب وارتباط اللغة الجديدة بلغتك الأصلية
3. خبرتك السابقة بتعلم اللغات
4. مدى إتقانك للغتك الأم
5. مقدار الوقت الذي تبذله في تعلم اللغة
6. مدى إستخدامك للغة الجديدة في حياتك اليومية
كلما زادت نسبة التشابه والأمور المشتركة بين اللغة الأم واللغة الجديدة, كانت مدة التعلم أقصر. تعد اللغة الفارسية والتركية من اللغات السهلة بالنسبة للناطقين بالعربية.