تاريخ النشر: يناير 4, 2025 | آخر تحديث: يناير 14, 2025
عادة يتمنى الآباء والأمهات النجاح لأبنائهم، ومن أهم أسباب النجاح هو الثقافة والعلم. لكن مع الأسف، أغلب الأطفال لديهم نفور من الدراسة, وكثير منهم يكره المدرسة والتعلم ويفضل إمضاء الوقت في اللعب ومشاهدة التلفاز أو الفيديوهات. هذا ليس مفاجئًا لي إطلاقاً, وأنا نفسي كنت منهم معظم فترة دراستي. في الحقيقة، لا يخفى على أحد انحدار المستوى التعليمي في معظم المدارس الحكومية في الدول العربية، وحتى المدارس الخاصة لا ترقى لمستوى جيد في أغلب الأحيان, رغم التكاليف الباهظة. هناك إهمال منتشر من المؤسسات التعليمية بالطلاب وفي كثير من الأحيان يكون هذا أسلوباً ممنهجاً لإخراج فئة فاشلة في المجتمع تكتفي بالسمع والطاعة دون التفكير بشكل حقيقي. تربية أبناء المسلمين وتنشئتهم هي مسؤوليتنا أفراداً وجماعات, وتقصيرنا نحوهم هو من أعظم أسباب الضعف والذل الذي نعيش فيه.
أنا أرى في الحقيقة أن معظم هذه المشاكل حتمي لأي نظام تعليمي موجه لأعداد كبيرة, ففي صف عدد طلابه 20 او 50 او حتى أكثر, لا يمكن للمعلم متابعة الطلاب بشكل جيد كفاية او تخصيص تمارين معينة لكل طفل تناسب حاجاته وقدراته. على العكس, يتم طرح المعلومة بأسلوب واحد للجميع وبأسلوب رتيب ممل يعمتد مبدأ المشاهدة بدل من الممارسة. ربما قد تكون بعض مشاكل النظم التعليمية التعيسة الحالية قابل للتحسين الى حد معين, ولكن قد لا يكون هناك جدوى كبيرة والبديل الأفضل موجود.
لحسن الحظ، هناك العديد من الوسائل لجذب الأطفال للتعلم، ومن أفضلها هو المدرسة المنزلية.
بسبب أهمية هذا الموضوع وكثرة الأفكاره والمواضيع التي أريد بحثها, سأقسم هذه المقالة لعدة أجزاء. في هذا الجزء أعرف أهمية الدراسة المنزلية بشكل أساسي وفي الجزء الثاني إجابتي وحلولي لأكثر الإنتقادات والمشاكل للدراسة المنزلية
تعريف الدراسة المنزلية
الدراسة المنزلية هي نهج تعليمي يقوم فيه الوالدان أو معلمون خصوصيون بتعليم الأطفال في المنزل، بدلًا من إرسالهم إلى المدارس التقليدية. يمكن أن تتبع هذه الدراسة مناهج محددة أو تكون مصممة خصيصًا لتلبية احتياجات الطفل الفردية. هذا الأسلوب هو بديل جذري عن المدرسة وليس مجرد إحضار بعض الدروس الخصوصية للأطفال، ولكنه يحتاج عناية والتزامًا كبيرًا من الأهل في بدايته أو في السنوات الأولى منه.
والآن اليكم أهمية وفوائد الدراسة المنزلية:
التعليم المخصص:
تتيح الدراسة المنزلية فرصة فريدة لتخصيص المناهج والأساليب التعليمية وفقًا لاحتياجات كل طفل وقدراته. هذا النهج الفردي يمكن أن يساعد في تحسين فهم الطالب للمواد وتعزيز نقاط قوته وعلاج نقاط ضعفه. فمثلًا، إذا كان الطفل يعاني من صعوبات في الرياضيات، يمكن تخصيص وقت أطول لهذه المادة واستخدام وسائل تعليمية متنوعة لتبسيط المفاهيم. وإذا كان الطفل موهوبًا في اللغات، يمكن إثراء منهجه بمواد إضافية لتنمية هذه الموهبة.
المرونة في الجدول الزمني:
توفر الدراسة المنزلية مرونة كبيرة في تحديد أوقات الدراسة. يمكن للأسر تنظيم الجدول الدراسي بما يتناسب مع احتياجاتهم وظروفهم الخاصة، مما يسمح بتحقيق توازن أفضل بين التعليم والأنشطة الأخرى. من منكم يؤمن حقاً أن الطفل قادر في المدرسة على التركيز لمدة 6 ساعات متواصلة او أكثر؟ هل تعتقدون أن جميع الأطفال يكذبون عندما يخبرونكم أنهم لا يتعلمون جيداً في المدرسة؟
المدرسة ليس لديها خيار سوى أن الدوام المدرسي مستمر وطويل والا سيكون الأمر غير عملي. هذا أسلوب لا يناسب الأطفال ولكن لا أحد يهتم بالفعل.
- يمكن للطفل الذي يكون أكثر نشاطًا في الصباح أن يركز على المواد الصعبة في هذا الوقت، بينما يمكن تخصيص فترة ما بعد الظهر للأنشطة الإبداعية أو الرياضية.
- كما يمكن تنظيم رحلات تعليمية في أوقات أقل ازدحامًا، مما يعزز التعلم العملي.
- يمكن للأسرة السفر والذهاب للمتاحف وغيرهم دون تخريب دراسة الطفل.
- لا تحتاج لإذن أحد لأخذ إبنك من المدرسة او الإلتزام بجدول موحد من قبل مؤسسة خارجية.
- ليس هناك حدث مفاجئ او مذاكرة مفاجئة او غيرهم من المفاجئات الغير سارة
بيئة تعليمية آمنة:
المنزل يوفر بيئة آمنة وداعمة للتعلم، بعيدًا عن الضغوط الاجتماعية والتنمر الذي قد يحدث في المدارس التقليدية. هذا يمكن أن يساعد في بناء ثقة الطفل بنفسه وتعزيز حبه للتعلم. فالطفل الذي قد يخجل من طرح الأسئلة في الفصل الدراسي المزدحم، يمكنه الآن أن يستفسر بحرية دون خوف من السخرية. كما أن البيئة المنزلية الهادئة تساعد على التركيز وتقلل من عوامل التشتت.
هذا أمر محوري فالتعلم الحقيقي لا يزدهر الا في البيئة الآمنة. هذا لا يعني أن البيئة الآمنة هي مكان للكسل والإسترخاء, ولكنها مكان مصنوع خصيصاً للتعلم الحقيقي. لو سأل الطفل سؤال غريب او صعب، لن يتم توبيخه او السخرية من سؤاله او التهكم عليه كما في الصفوف المدرسية. لن يضطر الى أن يمثل كونه غبي ليتجنب التنمر عليه من قبل زملائه الذين لا يهتمون بالتعلم. لن يضطر لتأجيل سؤاله لأنه بعيد عن محور الدرس، او أنه لن يأتي بالإمتحان لذلك فهو غير مهم.عدم وجود فارق شاسع بين الطلاب
تعزيز العلاقات الأسرية:
الدراسة المنزلية تتيح للوالدين فرصة قضاء وقت أكثر مع أطفالهم والمشاركة بشكل مباشر في تعليمهم. هذا يمكن أن يعزز الروابط الأسرية ويخلق بيئة تعليمية داعمة ومحفزة. فعندما يشارك الوالدان في عملية التعلم، يصبحون أكثر دراية باحتياجات أطفالهم وقدراتهم. كما أن هذا التفاعل اليومي يساعد في بناء علاقات أقوى وأكثر ثقة بين أفراد الأسرة.
في الأسر المتعلمة والمثقفة، يكون الوالدان على مستوى علمي متقدم يوازي او يفوق مستوى معلم الصف. وحتى في الحالات التي لا تكون لديهم خبرة تدريسية او علمية كبيرة، تبقى لديهم خبرات التعامل مع أطفالهم. بقليل من التدريب والوعي، يمكن للأهل خلق بيئة تعليمية أسطورية لا يمكن موازاتها في المؤسسات التقليدية.
مراعاة القيم والمعتقدات الأسرية خلال التعليم
تسمح الدراسة المنزلية للأسر بدمج قيمها ومعتقداتها في العملية التعليمية، مما يضمن توافق التعليم مع الخلفية الثقافية والدينية للأسرة. هذا يعني أنه في حال كانت الأسرة متدينة مثلاً, يمكن إضافة ودمج بعض المفاهيم الدينية بالعلم. مثلاً, هناك محاور عديدة في الإقتصاد الإسلامي يمكن دمجها في الرياضيات. أيضاً في درس اللغة العربية, يمكن التركيز على القرآن والحديث بدلاً من مقالات تافهة لشخصيات تاريخية قد تكون من من خان الأمة او على الأقل لا قيمة لها.
إستغلال خبرات الأهل ونقلها للجيل الجديد
بعض الناس يتخيل أن التعليم يجب أن يكون في صف مغلق وعبر أسلوب المشاهدة للمعلم, وهذا خطأ على مقايس أكثر من قدرتي على عدها. لو كان الأب مثلاً نجاراً, يمكن دمج كثير من المفاهيم العلمية بالنجارة وهكذا يكون الأب معلماً على عدة أصعدة ويعطي إبنه خبرات لن يعطيها إياه أحد آخر. او لو كان أحد الأبوين مهندساً او طبيباً او اي مهنة آخرى, يمكن للأطفال تحصيل خبرة نادرة من أهلهم خلال التعليم نفسه. في الحقيقة, كثير من الأسر كانت تقوم بهذا تاريخياً سواء في بلادنا او البلاد الغربية.
تنمية مهارات التعلم الذاتي:
من خلال الدراسة المنزلية، يتعلم الأطفال كيفية البحث عن المعلومات وإدارة وقتهم بشكل مستقل. هذه المهارات قيمة للغاية في الحياة الأكاديمية والمهنية المستقبلية. فالطفل يتعلم كيفية تحمل مسؤولية تعلمه، وكيفية البحث عن مصادر المعلومات المختلفة، سواء كانت كتبًا أو مواقع إلكترونية موثوقة. هذا الاستقلال في التعلم يعد الطفل بشكل أفضل للدراسة الجامعية وسوق العمل في المستقبل.
النجاة من غسيل الأدمغة:
لا يخفى على أحد أن هناك سياسات محلية ودولية مدسوسة بخبث في مناهيج تعليم الأطفال. هذا ليس في البلاد العربية فقط بل في الدول جميعاً دون إستثناء وأولها دول الغرب. هدف هذه الأفكار هو جعل الأطفال أداة مفيدة يسهل التحكم بها. ولكن التعليم المنزلي يعطي فرصة للنجاة من هذه المصيبة الغوغائية وإستئصالها من حياة الجيل الجديد بعيداً عن الترهات والكلام الفارغ.
القدرة على مناقشة التاريخ بشفافية ودون دجل:
في الدراسة المنزلية يمكن للطفل دراسة التاريخ دون أدلجة ولا دجل ولا نفاق او تلفيق او تزوير الوقائع التاريخية بشكل عمدي:
يمكن الإستعانة بمصادر تاريخية موثوقة وحتى إستشارة مختصين تاريخين عند إنتقاء المواضيع ومناقشة بعض الأحداث التاريخية الجدلية بدلاً من التهرب منها او تزويرها.
دراسة مواضيع حساسة لا تصلح في المدارس:
المدرسة بيئة تعليمية تعيسة على عدة مقاييس وأحدها هو إستئصالها لأمور جذرية تمس واقعنا كمسلمين وعرب سواء في الماضي او الحاضر. ليس هناك صلاحية للمعلم او للمدرسة بتدريس أمور كثيرة ويكون المنهاج مقرراً من قبل الحكومة في معظم الحالات إن لم يكن جميعها. هذا ينتج أطفال سذج يظنون الحياة وردية ولا يعون أهمية الأمور ولا أبعادها. لا أعني هنا أننا يجب أن نملأ دماغ الطفل بمواضيع مثل هذه, ولكن يمكن لنا نقاشها بحرية وبشكل مباشر دون إستحياء او خوف من العقاب.
جعل معنى حقيقي للتعلم بدلاً من سباق الفئران لتحصيل درجات وهمية
معيار الدراسة المعتاد في الأسلوب التقليدي هو درجات الإمتحانات. ما فائدة هذه الدرجات؟ ماذا تعني هذه الدرجات؟ ماذا تقيس هذه الدرجات؟ لا أحد يعلم في الحقيقة. لا أختلف مع أهمية وضع إمتحانات معيارية وتقيمية للأداء, بل هذا أمر ضروري لكمال المرحلة التعليمية. ولكن لا يجب أن يتم هذا الأمر بشكل عبثي ولا بشكل إعتباطي. بل يجب أن تكون هناك مشاريع (سأفصل في أهمية المشاريع لاحقاً) حقيقية وواقعية يتم قياس الأداء من خلالها.
مثلاً, لو قلنا أن المادة هي اللغة الإنكليزية, يمكن عمل أحد المشاريع التالية على سبيل المثال لا الحصر:
- فلم قصير تمثيلي
- محادثة على الإنترنت مع متحدث أصلي حول موضوع محدد
- عمل مناظرة تناقش أمر فلسفي أو حياتي حيث يأخذ أحد الطلاب جانب الدعم والآخر جانب النقد
- كتابة قصة قصيرة
- مشاهدة فلم قصير وشرحه
مثل هذه المشاريع تأخذ وقتاً وإهتماماً نادراً أن نجده في أي مدرسة سواء خاصة أم حكومية. يمكن أيضاً عمل إمتحانات قواعد دورية ولا أعارض الإمتحانات التقليدية بالمجمل, ولكنها لا يجب أن تكون المعيار الأساسي ولا الأوحد. يمكن إختيار المشروع حسب إهتمام ومستوى الطفل.
لو قلنا في مادة الرياضيات والفيزياء:
- مشروع رسم دوال بإستخدام البرمجة
- مشروع توقع أسعار بيتزا لمطعم بنائاً على بيانات سابقة
- مشروع حساب حجم جسم من داخل المنزل
- مشروع توقع مسار حركة وسرعة قذيفة
- مشروع حساب مبلغ مالي تم إستثماره في البنك مع فائدة (حتى لو كانت الفائدة ربا, فسيتعلم الطفل إجابياتها وسلبياته) او في شركة
عدد الأفكار والمشاريع غير محدود. وتأثيرها على الحياة الشخصية للطفل تأثير عظيم ومفيد ومن الظلم وضع الطفل في بيئة تدمر إبداعه فقط لأن باقي المجتمع لا يهتم بمصلحة أطفاله ونموهم.
بيئة تعليم مريحة
التعليم لا يمكن أن يكتمل في بيئة سيئة او مزعجة. عكس المدارس, يوفر المنزل الخدمات الأساسية من طعام ورعاية صحية و حتى القدرة على دخول حمام نظيف وأمن دون مضايقات وكثير من هذه هي أمور لا تتواجد في معظم المؤسسات التعليمية المخصصة للأطفال وأنا وأنتم نعلم هذا جيداً.
يمكن أن يكون للطفل مقعد مخصص سواء في غرفته او غرفة تعليمية منزلية مخصصة وفيها تتوافر المستلزمات جميعها دون الحاجة للقلق او حصول مشاكل مفاجأة.
الخاتمة
بالمختصر, الدراسة المنزلية هي خيار أفضل على مختلف المقاييس لبناء فكر وعقل وجسد الطفل وتنميته. فوائدها تشمل الطفل كفرد والأسرة ككل وحتى الأهل نفهسم يستفيدون من هذه العملية التعليمية. أعلم تماماً أن الدراسة المنزلية لها تحدياتها وسأجيب على أهم التحديات والإنتقادات للدراسة المنزلية في الجزء الثاني من النقاش. يمكنكم مشاركة أسئلتكم وأفكاركم بالتعليقات وشكراً لمروركم. بالتوفيق!
هذه مصادر ومراجع ومواقع أخرى عربية تناقش نفس موضوع هذه المقالة:
مصادر:
- التعليم من المنزل – بديل تعليمي (samitivejhospitals.com)
- مقالات – رحلة تعليمنا المنزلي (ourhsjourney.com)
- بديل جيد: التعليم المنزلي في مصر بين الواقع والفرص – المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية (ecss.com.eg)
- مقدمة إلى التعليم المنزلي ولماذا يجب عليك أن تعلم أولادك في البيت – رجل (rajol.net)
- تعليم منزلي – على الفطرة (3alalfitra.blog)
- مسار الدراسة المنزلية | البوابة الرسمية لحكومة الإمارات العربية المتحدة (u.ae)
- الرئيسية – أكاديمية التعليم البديل (badil.ma)
- لماذا اخترت التعليم المنزلي لأطفالي ؟ – إسلام أون لاين (islamonline.net)
- برنامج الدارسين غير النظاميين (الدراسات المنزلية) | وزارة التربية والتعليم (moe.gov.jo)
- تعليم منزلي | أميرة سعد (amirasaad.com)