تاريخ النشر: يناير 12, 2025
جزء كبير من شبابنا يهاجر للخارج بشكل دائم او مؤقت, او يخطط للأمر على الأقل, و أنا منهم. الجميع يتفق أن أوضاع بلادنا صعبة جداً و أحوالنا للأسوء في معظم الأوقات. هدف هذه المقالة ببساطة هو فتح نقاش وتسليط الضوء على الأشياء التي أراها تأثر بحياتنا وواقعنا بشكل كبير ومناقشة مشاكل الشباب العربي الحالي التي تأرق عليه عيشته وحياته.
ناقشت موضوع الهجرة في مقالات سابقة (معايير إختيار بلد الهجرة) وهنا ليس هدفي أن أناقش إذا كانت الهجرة شيء جيد أو سيء ولا نقاش إذا كانت بلاد الغرب أفضل أو أسوء من بلادنا, وليس الهدف هنا لا الإكتئاب ولا نشر صورة سلبية. أود نقاش وضعنا بشكل عام والأسباب التي توصلني أنا وغيري الى هذه المرحلة.
لا أستهدف في مقالي هذا بلداً معيناً او حالة بذاتها. بل أركز على المشاكل المنتشرة بكل بلادنا بشكل عام وحتى جزء منها يزداد في بلاد غربية غيرنا. هنالك معاناة إقتصادية لجيلنا حول العالم حتى بأميركا وأوروبا رغم أن الدرجة والنوعية تختلف.
سأنشر مقالات أخرى لاحقاً تناقش أحوال جيلنا ولكن من منظور مختلف وفيها أهم الفرص والفوائد لبلادنا وكيف نتحسن.
أفكار خاطئة عن الواقع والتوقعات
أسمع دائماً إنتقادات للجيل الحالي من الشباب وأشعر أنها غريبة او تفتقد للوعي او أحيانا خطائة وليست بمكانها أصلاً. نعم هناك فئة من الشباب تضل الطريق, ولكن المشاكل الإقليمية والدولية التي نواجهها تجعل لوم الشباب دون إدراك الواقع جيداً أمراً غير مجدي على أقل وصف
سأناقش جزء من الأنانية أجده عند فئة من المجتمع. بعض الناس همها هو الضرر الشخصي الذي سيقع عليهم من الأمر ويفكروا بالموضوع من أهدافهم الشخصية وليس من وجهة نظر من يتضرر بشكل أساسي او يضطر للسفر. هذه الفئة إن لم تكن الهجرة تضرهم او ليس لهم فائدة منها, فلا تبقى لديهم مشكلة.
فئة أخرى من الناس تحزن على خسارة مثل هذه المواهب لبلاد أخرى, ولكن في الحقيقة هذه المواهب كانت ستتندفن او تندثر في بلادنا. في بلاد أخرى, قد يمكن للشباب أن يأسسوا أنفسهم, ولكن بمعظم الحالات, هذه الإمكانية غير موجودة أصلاً لدينا والبقاء قد يفاقم العديد من مشاكل الشباب العربي.
سنبدأ الآن نقاش أهم أسباب مشاكلنا وأنواعها وستجدون جميعها مرتبط ببعضها
كثرة الحروب وضعف الأمن والإستقرار والثورات
هذه أكبر مشكلة نواجهها حالياً. إذا حللناها, فجزء كبير من باقي المشاكل سينحل تباعاً.
منطقتنا العربية غير مستقرة أمنياً, وما يزيد الطين بلة هو طول هذه الحالة لمدة سنوات.
كل بضعة سنوات تحصل حرب او مصيبة في المنطقة. أمر يجر آخر. لا أناقش هنا أسباب هذه الحوادث ولا أقلل من أهميتها, ولكن التأثير الحالي سلبي في معظم الحالات والتعافي يحتاج سنوات والمشكلة التالية تحصل قبل أن نتعافى من التي قبلها.
نتأثر أيضاً بنتائج حرب دول أخرى بعيدة عنا لأنن الدنيا كلها متصلة ببعضها والتجارة اليوم عالمية بين البلاد كلها.
المنطقة العربية معرفة بعدم الإستقرار تاريخياً, ولكن المشكلة تفاقمت أضعافاً عن السابق ونعيش حالة توتر أمني شديد لمدة طويلة.
إقتصاد ضعيف جداً ومنهار
بنظرة بسيطة لواقعنا الإقتصادي, نجد انه ليس لدينا بلد عربي بصناعة متقدمة او صناعة قوية حتى لو بسيطة.
وأحيانا نحن نخسر الصناعات التي لدينا عوضاً عن أن نتقدم.
هذا الأمر يدل على أن عجلة الإقتصاد لدينا صغيرة و في كثير من الأوقات لا تدور أصلاً او تدور بشكل عكسي.
لدينا الكثير من المهندسين بلا عمل او يعملون بقطاع مختلف لسبب بسيط: عمل المهندس بشكل أساسي هو داخل القطاع الصناعي ذي الحجم المتوسط الى الضخم وهذا غير متواجد كما أسلفنا. ليس لدينا معامل سيارات, او الكترونيات, الخ.
قد يتسائل أحدهم قائلاً:
“الأمر غريب فعلاً, لماذا ليس لدينا صناعة قوية؟ “
أساس الإقتصاد هو الإستقرار. وهنا نعني الإستقرار بكل أنواعه وأهمهما الإستقرار الأمني والإستقرار سياسي.
مثلاً لو كنت أنا مستثمرا, لا يمكنني فتح مصنع في البلاد العربية إذا كان هناك قانون غريب جديد يصدر كل بضعة أيام.
مثلاً قانون يأثر على الإستيراد والتصدير
او والله العملة غير مستقرة ومافيني حتى إستعمل عملة أجنبية
او مثلاً في مشكلة بالمواد الأولية
ضعف التعليم وعدم ملائمته للواقع والإحتياجات العربية
أسلوب ومناهج التعليم لدينا غير مناسبة او سيئة بشكل كبير بداية برياض الأطفال ووصولاً للجامعة.
في البلد الزراعي او السياحي او الخدمي بشكل أساسي, يفترض أنو تكون معظم تخصصات الشباب مرتبطة بتطوير هذه الأمور او حتى لا يكون هناك ضرورة للتخصص في كثير من الحالات. أنا أؤيد التعليم بشكل كبير, ولكن في هذه الحالة يبقى مجرد إختيار شخصي بدون ضغط إجتماعي كبير مرتبط به ولا تأثير له على سوق العمل.
بعض التخصصات مثل الطب او الهندسة المدنية لها حاجة عنا وتطبيق دائم عندنا, ولكن مثلاً تخصصي وهو هندسة الميكانيك تقريباً ليس له اي عمل او فائدة محلية بأغلب الأوقات. (أنا إخترت هذا التخصص رغم ذلك لأني أود تغيير هذا الأمر)
لا يقتصر الأمر على تخصص معين, أغلب الخريجين الجامعيين لديهم معضلة في إيجاد فرصة. وحتى لو وجدوها, فدخلها المادي مخزي او يكفي فقط للمصروف الشخصي مو أكثر. هذا أيضاً أدى لإنخفاض قيمة العلم في نظر الكثيرين مقارنة ببضعة سنوات سابقة لأن الفرص المرتبطة بالشهادات والجدارات العلمية كانت أكبر مقارنة بالآن. نجد الكثير من الشباب يود أن يصبح لاعب العاب الكترونية, أو صانع محتوى, او شخص مشهور, وعدد الناس الذين يرغبون بالإستمرار بمجالات تقليدية ينخفض سنوياً. الأمر مقلق في الحقيقة لأن الشباب هم من يبنون المجتمعات وطموحاتهم وأهدافهم تؤثر بشكل مباشر في مسيرة اي بلد ونهضته.
ضعف مجال البحث العلمي وتبعاته
في مثل هذه الأوضاع لا غرابة ولا إستعجاب أن تكون الأبحاث مهملة وليس لها دور في بلادنا.
مشكلتنا تراكمية, نحنا متأخرين بكثير مجالات حالية, وليكون لنا فرصة بالمنافسة, يجب أن ندخل بمجالات جديدة.
لكننا سنتأخر أيضاً بالمجالات الجديدة لأننا لا نملك القدرة على دخولها, او لإفتقارنا للتمويل والكفائات بالمجالات النادرة والجديدة.
تعقيدات السفر وضعف جواز السفر العربي
صحيح أن الكثير يرغب بالسفر, ولكن الغالبية تفتقر القدرة لذلك.
جوازات سفر أغلب بلادنا العربية سيئة للغاية وأحياناً الأسوء حرفياً بدون مبالغة.
مثلاً لو فتحنا موقع ترتيب الجوازات بتلاقو دول عربية بأسفل القائمة.
هذا يجعل أن الأمر بالنسبة للأغلبية: الحياة في الداخل صعبة, والسفر للخارج غير ممكن
أهداف السفر عديدة ولكن جميعها تهدف لإتاحة فرص حياة أفضل.
مثلاً لو ود شخص أن يطور نفسه او يدرس في الخارج, يحتاج أن يكون ثرياً حسب الدخل العام لأن تكلفة الحياة الشخصية فقط في اوروبا هي قرابة 1000 يورو شهرياً إضافة لمصاريف الجامعة. هذا يجعلنا نحتاج قرابة 20k-15k € يورو سنوياً على الأقل. هذه التكلفة مع التوفير بالمصاريف وهي طبعاً تكلفة باهظة جداً لأبناء منطقتنا العربية فمتوسط دخل العائلة العربية في بلادنا هو قرابة 500-800$ شهرياً.
سوء إدارة التضخم السكاني
أنا لا أعتبر التعداد السكاني مشكلة إطلاقاً, بالعكس هي قوة كبيرة لنا. ولكني ألوم بشكل أساسي سوء التنظيم والإدارة والذي يجعل أي شيء يتحول لمشكلة.
مثلاً المياه أساسية والجميع يتفق على أهميتها. لكن لو كان لدينا نهر يفيض ويسبب دمار, هذا لا يعني أن المياه مشكلة, بل يعني أنه يجب علينا بناء سدود قوية وننظم توزع السكان بشكل يحميهم ويمنع الضرر.
بعض من مشاكلنا أيضاً هو أن كثيراً من المصالح والمهن في منطقتنا هي نفسها متكررة والأعمال والمصالح الجديدة او الإحترافية قليلة.
مثلاً لو فتحت مشروعاً جديداً وكان ناجحاً, فقد يود جاري او صديقي فتح نفس المشروع ليحصل على الأرباح أيضاً. ولكن هذا يعني أن المنافسة إزدادت وأرباحي وأرباحه ستكون أقل. يمكنه عوضاً عن ذلك البحث عن فرصة إقتصادية أخرى يحتاجها المجتمع وإنشاء مشروعه بها وهنا الجميع يكسب. إضافة لهذا, يمكننا حينها أن ننافس على صعيد دولي بدلاً من المنفاسة بين بعضنا على مردود هو بالأصل ليس بالكثير.
تردي البنية التحتية
هنالك معاناة حقيقية داخل بلادنا للوصول لخدمات أساسية مثل الكهرباء والمياه والإنترنت (والذي يعد الآن خدمة أساسية أيضاً).
من الصعب عليي أن أعمل عن بعد بإستخدام الإنترنت و أعيش في بلادنا إذا يكن هناك إنترنت جيد أصلاً.
أعاني عندما أحاول فتح مشاريع كثيرة, في حين يمكن لشاب غيري أن يفتحها في دول الخارج. هذه من أهم مشاكل الشباب العربي بالطبع, فأمور مثل الدفع عن طريق الإنترنت, والخدمات البنكية, خدمات التوصيل والبريد وغيرها ليست متوفرة بشكل جيد في كثير من دولنا.
جزء من المشكلة اننا نفتقر لشيء متواجد بسهولة في بلد آخر. على سبيل المثال, الإنترنت لم يكن متواجداً قبل 40 سنة لا في بلادنا ولا في بلاد أخرى. ولكنه الآن متواجد بشكل جيد في الخارج وغير متواجد عندنا.
هذا يعني أن بقائنا على حالنا او في مكاننا يجعلنا نعود للخلف نسبياً ويضعنا في موقف صعب ومحرج وضعيف.
التأثير الغربي الكبير وضعف الهوية المتزايد
ليحزنني رؤية الناس تحب التشبه بالغرب وإتباعه بالصغيرة والكبيرة وخصوصاً في توافه الأمور. ضعف الهوية والإعتزاز قد يكون من أهم مشاكل الشباب العربي وهي مشكلة جوهرية يجب معالجتها.
الأمر متفشٍ خصوصاً في الجانب الثقافي واللغوي. مثلاً, بعض الناس نصف كلامها إنكليزي وفرنسي بدون داعٍ. رغم أن المعنى المراد موجود بوفرة بالعربية ولغتنا قادرة على أن توصل المعنى بوضوح, ولكن مع ذلك يتم إستخدام الكلمات الأجنبية. لماذا!
جزء من السبب قد يكون ظن الشخص أنه يبدو أكثر حكمة وخبرة وثقافة عند القيام بهذا, ولكني أرى خلاف ذلك وهذا يجعله يبدو بصورة سيئة وليست جيدة. أرى مثل هذا على أنه شخص غير متقن للغته الأم و غير متقن للغة الثانية, وحتى لو أتقنهم فهو ببساطة قدوة سيئة. لو أردت خطاب الجمهور العربي, لا تحدثهم بالإنكليزي او اللغات الغربية. لا أدري أيهما حالنا: سبب تأثرنا الكبير بالغرب هو تأخرنا أم أن سبب تأخرنا هو تأثرنا بهم. وأعتقدها الثانية بصراحة.
هناك أغنية عربية قديمة تتمحور حول هذا الموضوع بالذات: يا بنية ماني فرنجي