تاريخ النشر: يناير 31, 2025 | آخر تحديث: يناير 18, 2025
درجت في السنين الآخيرة وخصوصاً على مواقع التواصل موجة إنتقاد للشهادات العلمية بشكل عام. يتم اعتبارها مضيعة للوقت, وللجهد, وللمال, وربما النظر إليها على أنها إستثمار خاسر. رغم أني أتفق جزئياً مع بعض هذه الإنتقادات, إلا أني أراها معظم الوقت مبالغ بها وتقدم بطريقة مجحفة أو ساذجة. في كثير من الأوقات, يتم نسخ هذه الإنتقادات من المحتوى الغربي وخصوصاً الأمريكي وثم إسقاطه على واقعنا العربي بطريقة مجحفة وخاطئة. اليوم أناقش فوائد الدراسة الجامعية للشباب العربي خصوصاً, وسنناقش بمقال آخر سلبيات الدخول للجامعة والمفاهيم الخاطئة عنها.
تنويه: هذه المقالة مبينة على وجهة نظر شخصية وخبرتي في الحياة بشكل رئيسي.
أمور لا تهدف المقالة لها:
- حثكم على الدخول الى الجامعة
- الإنتقاص من الذي يختار طريقاً آخر
- إظهار الجامعة على أنها مكان مثالي ثقافي او إجتماعي او أخلاقي
- الإدعاء بأن الجامعة أفضل إستثمار للوقت والجهد والمال
تعلم مهنة إحترافية
من أهم فوائد الدراسة الجامعية هو الحصول على شهادة تتيح العمل في مجال يصعب العمل فيه دون هذه الشهادة. هذا الأمر هام جداً خصوصاً للمجالات المنظمة قانونياً او التي تطلب شهادة بشكل أساسي مثل:
- الطب والمجالات الطبية مثل الصيدلة والتمريض, الخ…
- المحاماة والقضاء
- بعض المجالات الإقتصادية مثل المحاسبة القانونية وغيرهم
- التدريس الأكاديمي سواء للمدارس او الجامعات
- مجالات الترجمة القانونية
- بعض مجالات العمل الهندسية في تخصصات الهندسة المدنية والكهربائية والميكانيكية وغيرهم
بمعنى آخر, لا يمكنك ممارسة بعض هذه المهن دون الحصول على شهادة من مؤسسة تعليمية سواء كانت شهادة جامعة 4 سنوات او معهد سنتين او غيرهم. حصولك على الشهادة يتيح لك دخول هذا المجال ولا يعني أنك ستجني الكثير من المال منه بالضرورة.
إستثمار إقتصادي جيد
كثير من البلاد العربية فيها جامعات بتكلفة قليلة جداً او حتى مجانية. توجد جامعات خاصة أيضاً وحتى هذه الجامعات تبقى تكلفتها أقل من معظم الدول الخارجية. بما أن الشهادة الجامعية تفتح العديد من الفرص المهنية والتنموية للشخص, فهي تعد إستثمار مالي رابح للكثيرين (الوقت وحده له قيمة مالية). الأمر قد يكون أكثر تعقيداً لو نظرنا لشخص يدرس في الخارج او بتكاليف باهظة نسبياً لإمكانيات أسرته. لو نظرنا الى كثير من الحالات, سنجد أن الذهاب للجامعة فتح فرص كبيرة للشخص كان من الصعب له تحصيلها بطريقة مغايرة.
غياب البديل الأفضل
بعض الناس يلوم الجامعة على أنها سبب تعاسته وشقائه. ولكن إن كان هذا الشخص لديه بديل أفضل فعلياً, لماذا لم يقم به؟ لماذا يهذب شخص الى الجامعة ومتاحة له فرصة أفضل بكثير؟ ببساطة, لأن الجامعة أفضل خياراته الحالية. هناك فرق شاسع بين تمني الأفضل او تخيله, وبين الواقع والفرص المتاحة.
تعريف البديل الأفضل: مسار او نهج مختلف عن الجامعة يتيح الفوائد الشخصية المتوقعة من الجامعة ولكن بأسلوب أسهل أو أفضل. هذا يتضمن الفرص الوظيفية والإجتماعية وغيرهم.
سبب ذهاب الناس للجامعة من الأساس كان لأن خريج الجامعة يحصل على فرص وظيفية أفضل وراتب أعلى. قد تكون هذه الفروقات قلت عن السابق, ولكن غياب البديل الأفضل, هو ما يجعل الكثيرين يستمرون بالذهاب للجامعة. إضافة لهذا, معظم الناس معتادون على إتباع طريق او نظام سائد إجتماعياً بدلاً من شق طريق مغاير. لذلك الجامعة ممتازة لمعظم الناس وليس جميعهم. هناك فئة بالطبع لديها مهارات وفرص أفضل بكثير من التي تكون في الجامعة. لمثل هؤلاء, الجامعة فعلاً مضيعة للوقت وذهابهم لها هو إستثمار خاسر.
فرصة للتطور الثقافي
معظم الناس يحصل على الكثير من الخبرات الثقافية في الجامعة أكثر من أي مكان آخر. لو نظرنا الى الخريجين الجامعيين أنفسهم, نرى كثير منهم لا يطورون ذاتهم ثقافياً بنفس الدرجة التي كانو عليها خلال تعليمهم الجامعي. التجربة الجامعية تختلف بشكل كبير من شخص لآخر ومن جامعة لأخرى بالطبع. ولكن هذه الأمور مشتركة في كثير من الجامعات:
- بعض الكورسات او المواد الثقافية تناقش بشكل عام
- علم الأخلاق (Ethics)
- علم الإجتماع
- علم الإقتصاد
- أسس البرمجة والتعامل مع الحاسوب
- لغة وخصوصاً الكتابة الأكاديمية
- مجتمعات طلابية تهتم بقضايا إجتماعية وفلسفية معينة
- حقوق الإنسان
- قضاية البيئة مثل الإحتباس الحراري
- مجتمعات طلابية علمية وتقنية
- نادي للبرمجة
- نادي للروبوتات
- كتلة طلابية أجنبية
- رحلات في المدينة او مدن بلد الإقامة
- نشاطات تعارف بين الطلاب
حتى لو لم تكن جزءاً من هذه التكتلات الطلابية بشكل رسمي او مباشر, فقد تتعرض لها او لمواضيعها من خلال البيئة الإجتماعية والصداقات التي تبنيها. بعض النقاشات تحصل بشكل طبيعي وعفوي بين الطلاب سواء في مطعم او مقصف الجامعة او غيره. مثلاً قد تصادف شخصاً يدرس تخصصاً مختلفاً ويتعرف كل منكم على تخصص الآخر بداع الفضول وهكذا. مثل هذه النقاشات قد لا يكون مرحباً به او مرغوباً في باقي الأوساط الإجتماعية. مثلاً, النقاشات الخلافية يتم تجنبها كثيراً في معظم الشركات وبيئات العمل, وداخل الجلسات العائلية وحتى بين الأصحاب لأنها تسبب تنازعاً وخلافاً في كثير من الأحيان. ولكن الجامعة تتيح هذه الأوساط بشكل طبيعي.
فرصة للسفر
لو كنت تريد السفر لبلد آخر وبدء حياة جديدة, فالدراسة الجامعية من أسهل الطرق على الإطلاق في حال توفر المال. تعتبر الفيزا الدراسية سهلة نسبياً وتمتمد طوال مدة الدراسة وسنفرضها هنا 4 سنوات. خلال السفر, يمكن تعلم لغة جديدة, تعلم ثقافة جديدة, تحصيل جنسية بلد آخر, فتح باب فرص عمل متنوعة وغيرهم. كتبت مقالة مفصلة عن دليل الهجرة وكيفية إختيار البلد المناسب يمكنكم الإطلاع عليها.
عيش حياة إجتماعية طبيعية
معظم الشباب بعمر 18-24 يذهبون للجامعات في هذا العصر, وعدم ذهابك يجعلك تشعر أنك مختلف او منبوذ إجتماعياً. من الصعب بناء صداقات وعلاقات إجتماعية دون إختلاط إجتماعي كاف والجامعة تعد وسيلة سهلة لتحقيق ذلك. في الحقيقة, كثير من الناس يذهب للجامعة لهذا السبب تحديداً بشكل أساسي.
- “جميع أصدقائي يذهبون للجامعة, لذلك سأذهب أنا أيضاً”.
- “سأذهب للجامعة لأن هذا ما يفعله أقراني او اي شخص بعمري”
من الممكن بالطبع تحصيل فرص إجتماعية كثيرة دون الجامعة, ولكنها قد تكون أصعب لأن الناس يمضون وقتهم المخصص للتعارف أصلاً في الجامعة. هذا يعني أنك لو أردت التعرف على ناس جدد دون الذهاب الى الجامعة, فستكون أمام هذه الحالات:
- تتعرف على ناس جدد ولكن بشكل أقل
- تتعرف على ناس أكبر منك عمراً أنهو تعليمهم الجامعي أصلاً
- لا تشارك الناس التطلعات والأهداف والفرص المتاحة سواء إيجاباً او سلباً
بناء شبكة علاقات إحترافية
عند ذهابك للجامعة, فأنت تلتقي بشبكة معارف كبيرة للغاية. منهم
- المحامي
- الخبير الإقتصادي
- الطبيب
- المهندس
- الباحث السياسي
- غيرهم
هذه العلاقات ستكون بالغة الأهمية في المستقبل ومن شبه المستحيل تكوين شبكة علاقات شبيهة بمدة قصيرة في اي مكان آخر.
قد يظن البعض أن هذا الأمر عندنا فقط وأن الغرب مثلاً لا يهمتون لمثل هذه الأشياء. هذا خطأ فادح فالغرب يهمتون أكثر منا حتى لمثل هذه الأمور
في أمريكا هذا من الأسباب الأساسية للذهاب للجامعة. في بعض الجامعات الأمريكية الخاصة العريقة, مثل
- هارفرد Harvard
- بنرسنتون Princeton
وغيرهم من المستوى المشابه, تصل تكلفة الدراسة السنوية قرابة 60k-70k$ وهو قرابة 240,000$ للرسوم الدراسية فقط حسب هذا الموقع. والتكلفة مع المصاريف المتفرقة هي قرابة 90,000$ سنوياً اي 360,000$ لأربع سنوات. ما الذي يجعل شخصاً يذهب لمثل هذه الجامعات؟ هناك جامعات كثيرة أرخص وجودتها التعليمية مرتفعة ومناسبة, ولكن تبقى هذه الجامعات مهمة خصوصاً للبكالوريوس وهي شهادة ليست بحثية وأغلب المواد مشابهة لباقي الجامعات.
السبب ببساطة, هو أنك عند ذهابك لمثل هذه الجامعات, فأنت تلتقي بنخبة المجتمع وأبنائهم والنخبة المستقبلية. شروط دخول هذه الجامعات صعبة للغاية وفيها طلاب من جميع أنحاء العالم. الطلاب الذين تلتقي بهم هم إما من الأذكى في أمريكيا وحول العالم, أو أنهم أبناء مسؤولين مهمين وأصحاب نفوذ, او سياسين وقضاة مهمين في المستقبل. بعض الرؤوساء الأمريكيين ذهبوا لمثل هذه الجامعات حسب مصادر ويكيبيديا. ذهابك لهذه الجامعات فقط حتى لو لم تتخرج, يعطيك فرصة عمل ذهبية في معظم الشركات العالمية. قد يكون زميلك حتى من مؤسسي الشركات القادمة, او يكون باحثاً علمياً له شأن كبير لاحقاً. أفضل وقت ومكان لتعرفك على هؤلاء الأشخاص هو في الجامعة, اي قبل وصولهم لذروتهم المهنية.
بناء علاقات عاطفية
أحد الأسباب الشائعة أيضاً هو الدخول في علاقات عاطفية او الزواج. لست هنا بصدد مناقشة أخلاقية وشرعية هذا الأمر, ولكنه بلا شك أحد الأسباب التي يذهب الناس للجامعة لها. هذا لا يعني الإنحلال الأخلاقي وما شابهه, فيمكن أن يتم التعارف داخل نطاق الدين والأدب العام المراعي للثقافة السائدة.
الخلاصة
الذهاب للجامعة له فوائد كثيرة وعظيمة. كثيراً ما يتم تشويه صورة الجامعة حالياً في الإعلام وخصوصاً بين أوساط الشباب دون مناقشة الموضوع بوعي وواقعية. ناقشنا في هذا المقال أهم فوائد الشهادة الجامعية للشباب العربي وإيجابيات الدراسة في الجامعة بشكل عام وهي:
- فرصة للدخول لمهن إحترافية
- إستثمار جيد للوقت والجهد والمال
- فرصة للتنمية الثقافية
- فرصة للنمو إجتماعياً وبناء شبكة علاقات متينة
قد أعود لهذه المقالة لتوسعتها لاحقاً ويسعدني قراءة تعليقاتكم وأسئلتكم. سأنشر أيضاً مقالة رديفة وهي سلبيات الدراسة الجامعية. مع تمنياتي لكم بالتوفيق!